فصل: الجذور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لقد كان رفاعة أول من وضع الأفكار النظرية موضع التنفيذ وأول من أنتج عملًا فكريًا يمهد لخطة اجتماعية عملية وتجلى ذلك في مؤلفيه تلخيص الإبريز والمرشد الأمين الذي ألفه بناء على أمر الخديوي إسماعيل وذلك عام 1872 قبل افتتاح أول مدرسة للبنات ترعاها الحكومة بعام واحد وقبل موت رفاعة بأعوام قليلة ولما كان الخديوي إسماعيل يقود- في بداية تلك المرحلة- حركة التحديث في كل الميادين السياسية والفكرية والاجتماعية فقد حاول بعد ذلك أن يقنع أهل الرأي بتأليف كتاب في الحقوق والعقوبات يطبقه في المحاكم بحيث يكون سهل العبارة مرتب المسائل على نحو ترتيب القوانين الأوربية ولكن رفض أهل الرأي من مشايخ الأزهر هذه الدعوة فطلب الخديوي من الشيخ رفاعة إقناعهم بقبول ذلك ولكنه اعتذر عن ذلك على الوجه الذي وصفه الشيخ رشيد رضا في كتاب تاريخ الإمام محمد عبده على الوجه التالي:
قال الشيخ رشيد: حدثني علي باشا رفاعة بن رفاعة بك الطهطاوي قال: إن إسماعيل باشا الخديوي لما ضاق بالمشايخ ذرعًا استحضر والده رفاعة بك وعهد إليه أن يجتهد في إقناع شيخ الأزهر وغيره من كبار الشيوخ بإجابة هذا الطلب وقال له: إنك منهم ونشأت معهم وأنت أقدر على إقناعهم فأخبرهم أن أوربا تضطرب إذ هم لم يستجيبوا إلى الحكم بشريعة نابليون فأجابه بقوله: إنني يا مولاي قد شخت ولم يطعن أحد في ديني فلا تعرضني لتكفير مشايخ الأزهر إياي في آخر حياتي وأقلني من هذا الأمر فأقاله.
وكان أن انزوى الطهطاوي بعيدًا عن مكان الصدارة وانتأى بعيدًا ليحتل مكانه الشيخ محمد عبده الذي كان في ذلك الوقت في شرخ الشباب يحدوه جرأة الشباب وإقدامه وهنا تبدأ مرحلة جديدة من مراحل تحرير المرأة.
مرقص فهمي والقذيفة الأولى:
وفي سنة 1894 أي بعد الاحتلال الإنكليزي لمصر بحوالي اثنتي عشرة سنة ظهر أول كتاب في مصر أصدره صليبي حقود من أولياء كرومر الملقب باللورد أظهره محتميًا بالنفوذ البريطاني الذي أمَّن له الطريق نحو طعن الإسلام وأهله ذلكم هو مرقص فهمي المحامي وكتابه هو المرأة في الشرق دعا فيه صراحة وللمرة الأولى في تاريخ المرأة المسلمة إلى تحقيق أهداف خمسة محددة وهي:
أولًا: القضاء على الحجاب الإسلامي.
ثانيًا: إباحة اختلاط المرأة المسلمة بالأجانب عنها.
ثالثًا: تقييد الطلاق وإيجاب وقوعه أمام القاضي.
رابعًا: منع الزواج بأكثر من واحدة.
خامسًا: إباحة الزواج بين المسلمات والأقباط.
وقد أحدث الكتاب ضجة عنيفة ولم يلبث المسلمون حين صدموا به حتى انطلقت في غمرات هذه الضجة قذيفة أخرى تفجرت في الوسط الإسلامي:
الدوق دراكير والمصريون:
فقد صدر كتاب ألفه الدوق دراكير باسم المصريون حمل فيه على نساء مصر وهاجم المصريين وتعدى على الإسلام ونال من الحجاب الإسلامي وقرار المرأة المسلمة في البيت واقتصار وظيفتها على تربية النشء ورعاية الزوج وقد هاجم المثقفين المصريين بصفة خاصة لسكوتهم وعدم تمردهم على هذه الأوضاع.
وقد بدأ الاستعمار الإنكليزي إثر هذه الضجة يبحث عن وسيلة لشد أزرمرقص فهمي فلجأ إلى الأميرة نازلي فاضل ليستعجلها على عمل شيء يساند مرقص فهمي من خلال صالونها.

.الجذور:

كانت دعوة تحرير المرأة جزءًا من منهج كلي شمل كافة اتجاهات الحياة في المجتمع المصري وتعود خيوطه إلى مدرسة الشيخ محمد عبده تلميذ جمال الدين الأفغاني أو إن شئت المتأفغن وقد سارا على الدرب الذي رسمه الطهطاوي وزاد الأفغاني نشاطه المريب وعلاقاته بالمحافل الماسونية وتبنيه لمبادئ الثورة الفرنسية الماسونية.
ومع وجود بعض الجوانب المشرقة في منهاج محمد عبده إلا أننا لا نستطيع أن نتجاهل نشاطه حيث كان له أخطر الأثر في عملية التغريب وتقريب الأمة الإسلامية نحو القيم الغربية مما جعل اللورد كرومر يشيد بدعوته وبتلامذته ويعلق عليهم أمله في تغريب المجتمع المصري ويذكر أنهم لذلك يستحقون أن يعاونوا بكل ما هو مستطاع من عطف الأوربي وتشجيعه. اهـ.
ويكفي للتدليل على خطر هذه المدرسة أن نقرر دور تلاميذها في إفساد الحياة في مصر:
فهذا لطفي السيد يحيي التاريخ الفرعوني والنعرة الوطنية الإقليمية ويرعى الدعوة إلى الحرية بمفهومها الغربي الدخيل على الأمة الإسلامية.
وهي كلها مبادئ بلغت مداها على يد تلميذ آخر لمحمد عبده هو سعد زغلول وهذا تلميذه قاسم أمين يفسد الحياة الاجتماعية في مصر بدعوته إلى تحرير المرأة بالمعنى الذي يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
لقد كان يريد محمد عبده أن يقيم سدًا في وجه التيار العلماني اللاديني ليحمي المجتمع الإسلامي من طوفانه ولكن الذي حدث أن هذا السد أصبح قنطرة للعلمانية عبرت عليه إلى العالم الإسلامي لتحتل المواقع واحدًا تلو الآخر ثم جاء فريق من تلاميذمحمد عبده وأتباعه فدفعوا نظرياته واتجاهاته إلى أقصى طريق العلمانية اللادينية.
رام نفعًا فضر به من غير قصد ** ومن البر ما يكون عقوقًا

قاسم أمين 1865م- 1908م:
فتنة الأجيال وداعية السفور في عهد الاحتلال.
ولد قاسم أمين في أول ديسمبر عام 1863م بالإسكندرية والتحق بمدرسة رأس التين الابتدائية بالإسكندرية وكانت تقع بحي رأس التين إلى جوار السراي.
وقيل إن أباه محمد بك أمين من أصل كردي.
وقيل: بل أصل الأسرة تركي وإن بعض أفراد أسرة محمد بك أمين قد ولي السليمانية من أعمال العراق وبقيت الأسرة ردحًا من الزمن تقوم بهذه الولاية حتى ظن أنها كردية وممن صحح هذا أحمد خاكي في كتابه قاسم أمين.
وكان أبوه قد أخذ رهينة في الأستانة على أثر خلاف وقع بين الدولة العلية والأكراد ثم جاء إلى مصر في عهد إسماعيل باشا وانتظم في الجيش المصري ورقي إلى رتبة أميرالاي وتزوج بكريمة أحمد بك خطاب شقيق إبراهيم باشا خطاب فولدت له أولادًا أكبرهم قاسم.
وفي سنة 1881م نال قاسم إجازة الحقوق ثم عمل بمكتب صديق والده التركي مصطفى فهمي المحامي.
وانضم للكوكبة التي كانت تحيط بجمال الدين الأفغاني حيث التقى بمحمد عبده وسعد زغلول ومحمد فتحي زغلول وعبد الله النديم وأديب إسحاق وغيرهم.
رحل قاسم إلى فرنسا ليتم تعليمه هناك وانبهر بالحياة في أوربا حتى أنه صرح بأن:
أكبر الأسباب في انحطاط الأمة المصرية تأخرها في الفنون الجميلة التمثيل والتصوير والموسيقى.
وبعد أن كان يقر العامة حين يقولون: مصر أم الدنيا فإنه الآن في باريس يقول أن الأصح أن تسمى خادمة الدنيا.
ويتعرف قاسم على صديقته الفرنسية سلافا التي تصاحبه إلى المجتمعات الفرنسية والحفلات ويتعرف إلى كثير من الأسر وتقوى العلاقة بينهما فبينما كان يقرأ في مصر مقدمة ابن خلدون وإحياء علوم الدين للغزالي والأغاني نجده في فرنسا يقرأ مع زميلته حكم لارشفوكو وشعر لامارتين وفلسفة فنلون ورينان وأعمال فولتير وروسو وسبنسر وغيرهم.
وكانت في فرنسا في الوقت نفسه حركة نسائية كما كانت في إنكلترا وأمريكا حركة نسائية أخرى...
كل هذه الأفكار تأثر بها مصري يعيش في قلب باريس في قلب هذه النظريات.
وفي هذا الوسط اضطرب قاسم المسلم الشرقي.
والتقى قاسم في فرنسا بالأفغاني ومحمد عبده وانضم إلى جمعية العروة الوثقى واتخذه محمد عبده مترجمًا له.
وبعد أن أتم قاسم دراسته في فرنسا طلب إليه أستاذه لرنود أن يعمل معه بضعة شهور يكتسب فيها خبرات عملية ووافق قاسم أمين.
الخطوة الأولى:
رده على داركير:
قرأ قاسم أمين كتاب داركير عن المصريين فتألم أشد الألم حتى قيل إنه مرض عشرة أيام بعد قراءته لشدة تأثره فحاول أن يدافع عن المصريين والإسلام وألف ردًا بالفرنسية حاول فيه تفنيد اتهاماته لمصر والمصريين وبين فيه فضائل الإسلام على المرأة المصرية ورفع من شأن الحجاب وعده دليلًا على كمال المرأة وحاول شرح الحكمة الإيجابية في قوانين الشرع الإسلامي إلا أن دفاعه قد بدا تبريريًا وشرحه قد اتسم بالخنوع والذلة فيقول وكأنه يناشد داركير أن يعتبر الإسلام في مرتبة النصرانية والمجوسية:
إن الإسلام دين خلقي لا يقل عن المجوسية ولا عن المسيحية وإن روح القرآن لا تختلف عن الروح الإنجيلية. اهـ.
ويقول أيضًا:
ولهذا كان أمامها- أي مصر- طريقان: العودة إلى تقاليد الإسلام أو محاكاة أوربا وقد اختارت الطريق الثاني إنها قد خطت اليوم بعيدًا في هذا الطريق حتى ليصعب عليها الارتداد عنه إن مصر تتحول إلى بلد أوربي بطريقة تثير الدهشة وقد أخذت إدارتها وأبنيتها وآثارها وشوارعها وعاداتها ولغتها وأدبها وذوقها وغذاؤها وثيابها تتسم كلها بطابع أوربي.. لقد اعتاد المصريون قضاء الصيف في أوربا؟! كما اعتاد الأوربيون قضاء الشتاء في مصر فلعل أوربا تقدر لمصر مسيرتها ولعلها ترد لها يومًا بعض هذا الود الكبير الذي تكنه لها مصر. اهـ.
ومما يجدر الإشارة إليه أن قاسمًا استنكر في كتابه- المصريون- خطة بعض السيدات المصريات اللائي يتشبهن بالأوربيات فاقتنص بعض خصومه الفرصة ووشوا به إلى الأميرة نازلي بأن قاسمًا إنما يعنيها هي بهذا التعريض بذم المصريات اللائي يقلدن الإفرنجيات ويسرن سيرتهن لأنه لم يكن في نساء مصر آنذاك من يتشبه بالنساء الأوربيات غيرها.
فقد كانت الوحيدة التي تختلط بالرجال وتجالسهم في صالونها الذي افتتحته آنذاك ليكون مركزًا تبث منه الدعوة إلى التغريب عامة وإلى تحرير المرأة خاصة تؤيد هؤلاء في قصر الدوبارة وهو مقر المندوب السامي الإنكليزي ضد قصر عابدين وتسعى لترقيتهم وهم يعتمدون عليها في كل أمر وكانت الأميرة نازلي قد افتتحت هذا المنتدى إثر عودتها إلى مصر بعد الاحتلال وبعد أن قويت روابطها مع اللورد كرومر واتخذت من المعتمد البريطاني أداة لحماية رواد هذه الدعوة وتعبئتهم لتوجيه هذه الحركة متى أمكن ذلك. اهـ. من الأخوات المسلمات ص 240 وما بعدها، الحركات النسائية في الشرق ص 15، مقالة داود بركات في عدد الأهرام الخاص بمرور 75 عامًا على تأسيسه.
رد فعل الأميرة نازلي:
غضبت الأميرة مما فعله قاسم أمين وقالت للشيخ محمد عبده قولًا شديدًا بعد أن هددت وتوعدت وقد أشير إلى جريدة المقطم لسان حال الإنكليز في مصر في ذلك الوقت أن تكتب ست مقالات تتعقب آراء قاسم أمين في كتابه المصريون وتفند أخطاؤه في دفاعه عن الحجاب واستنكاره الاختلاط بين الجنسين ولكن لم تلبث هذه الحملة أن ألغيت بعد أن اقتنع قاسم أمين بضرورة تصحيح خطأه.
واتفق معه سعد زغلول ومحمد عبده على أن ينشر كتابًا يصحح فيه خطأه ويؤيد فيه الدوق دراكير ويواصل مناصرته لكتاب المرأة في الشرق للقبطي مرقص فهمي وهكذا خرج قاسم أمين على البلاد بكتابه تحرير المرأة سنة 1899 م ودعا فيه إلى نفس ما سبق أن دعا إليه ذلك الصليبي بحذافيره اللهم إلا أنه لم يتعرض لمسألة زواج المسلمات من الأقباط.
أثر الأميرة نازلي في فكر الشيخ محمد عبده:
كان الشيخ محمد عبده مقربًا لدى الأميرة نازلي فاضل وقد سعى لأستاذه الأفغاني كي يتوسط لها لدى السلطان في الآستانة ليمنحها وسامًا سلطانيًا.
وكانت هي قد سعت لدى الخديوي توفيق ليعفو عن الشيخ محمد عبده عقب عودته من منفاه كما التمست وساطة كرومر للأمر نفسه (44) وتم المراد وعفا عنه الخديوي.
وقد أدركت تلك الأميرة ما للشيخ من تفوق عقلي وخلقي فخصته بمكانة متميزة.
وقد ظهر تأثيرها على موقف الشيخ محمد عبده من الإنكليز الذين كان يشتد عليهم قبل التعرف على الأميرة أثناء صحبة الأفغاني وعقب الثورة العرابية أما بعد اتصال الشيخ بالأميرة التي كانت صديقة لبعض الإنكليز فقد خفت حملته ضد إنكلترا وسمح بصداقته الشخصية للورد كرومر صديق الأميرة.
وهذا ما أحنق صدور بعض الوطنيين عليه وإن دافع عنه تلاميذه بقولهم:
إنه سمح بصداقته للورد كرومر دون تفريط في حق بلاده أو عدول عن رأيه السياسي.
عن الشيخ عبد العزيز البشري أنه قال في احتفال بذكرى قاسم أمين:
إن كثيرين من الحاضرين كانوا أشد من وجع الضرس وضرباته على دعوة قاسم أمين وعلى شخص قاسم أمين وقال: إن قاسمًا كان في مبدأ حياته من الرجعيين حتى أنه لما رد على الدوق دراكير دافع عن الحجاب واستنكر السفور فظنت الأميرة نازلي فاضل- وكان مجلسها يجمع العلماء والفضلاء أمثال محمد عبده وسعد زغلول وعبد الكريم سلمان وفارس نمر ويعقوب صروف والمويلحي وأبنه- أنه يقصدها فغضبت لذلك ولكن سعدًا قدم صديقه إليها ولما رأى شدة عقلها ورجاحة حلمها ووثاقة فضلها انقلب عن رأيه وأخذ يطالب بتحرير المرأة. اهـ.